dots

كايزن. التغيير نحو الأفضل. التحسن باستمرار. أهي أداة؟ أم عقلية؟

بدأت الشركات والمؤسسات اعتماد الكايزن منذ أن حاول الأكاديميون اليابانيون ثم الغربيون أن يكتشفوا ما هو سر شركة تويوتا الذي تسبب بتغيرات ملحوظة في أدائها وعملها في القرن العشرين. وعندما حاول المعنيون على اختلافهم، سواء كانوا قادة أعمال أو مشرفين أو مستشارين أو إداريين أو مدربي حياة أن يحللوا ما هي كايزن وأن يربطوها بمجموعة من الأدوات والمنهجيات والفلسفات، اختلفت تعريفاتها وتنوعت مفاهيمها وازداد الالتباس حول ماهيتها.

في شركة المبادئ الأربعة، نحاول أن نجد حلًّا لهذا الالتباس عبر التفرقة بين المفاهيم الثلاثة المتداخلة عن كايزن:

1 فلنبدأ بالترجمة الحرفية لكلمة كايزن (改善) من المعجم. في اللغة اليابانية، أتت كلمة “كايزن” بعد دمج الكلمتين “كاي” (改)، أي التغيير، و”زن” (善) أي الجيد. بناء عليه، تكون الترجمة الحرفية للكلمة هي “التغيير إلى الأفضل”، أو التحسن. لذلك يستخدم الصينيون هذه الكلمة للإشارة إلى التحسن، بدون الحاجة إلى أن يكون هذا التحسن مشروطًا بالاستمرارية أو الخطوات الصغيرة، وليس من الضروري أن يكون جزءًا من فلسفة أو عقليّة ما.

2 أما المفهوم الثاني لكايزن (改善)، فمفاده أنها منهجية أو أداة تحسين العمل، ويمكن استخدامها في ورشة عمل أو اعتمادها في بنية فريق عامل – وتُدعى في بعض الأوقات “ورش عمل كايزن” أو “بليتز كايزن”. ويمكن أن يصنف هذا المفهوم كايزن على أنها مبادرة شخصية للتحسن نحو الأفضل. وعادة ما يشرح الأكاديميون اليابانيون هذه الوسيلة أو الأداة أنها جزء من ثلاثة عناصر يجب على المنظمات الناجحة أن تتناوب عليها باستمرار. وهي:

  • كايزن (改善)، أي التحسن المستمر في خطوات صغيرة. وتتجلى كايزن هنا في قيام الأشخاص أو الفرق بتطبيق سلسلة من التحسينات الصغيرة والتدريجية في العمل يوميًّا أو في ورش العمل المتكررة، بهدف تحدي الصعاب في بيئة العمل والسعي إلى التخلص من الهدر (مودا، 無駄) وعدم التكافؤ (مورا، 斑) والأعباء الكبيرة (موري، 無理).
  • كايكاكو (改革)، أي التغيير الجذري أو الثوري في أقصى درجاته، ويُدعى أيضًا كاكوشن (革新)، ما يعني حرفيًّا “التجديد”، ولكن المصطلح يُستخدم في اللغة الإنكليزية في مجال الأعمال للإشارة إلى “الابتكار” أو “الاضطراب”. وينطبق ذلك على التحديات التي يمكن تخطيها من خلال اعتماد خطوات كايزن التدريجية. ومثال على كايكاكو وكاكوشن هو عندما قامت شركة تويوتا بطرح علامة تجارية فاخرة تدعى “ليكزس” في الأسواق الغربية أوّلًا من أجل تعزيز المنافسة، إذ عجزت شركة تويوتا وحدها أن تعظم حصتها في السوق بوجود العلامات التجارية الأوروبية الفاخرة، أو عندما قامت الشركة اليابانية أيضًا بطرح المركبة الهجينة “بريوس” في العام 1977 من أجل محاكاة تطلعات العملاء الذين يتمتعون بالوعي البيئي وتلبية احتياجاتهم.
  • إيجي (維持)، أي الاستدامة، وهي تعد الأصعب من بين العناصر الثلاثة وشرط ضروري لكايزن، وكما قال تايشي أونو: “بدون معايير العمل، لا وجود لكايزن”. وهذه الحالة تتجلى في قدرة المنظمة على المحافظة على التحسينات التي تقوم بها تحضيرًا للقيام بغيرها، وإذا قاومت المنظمة رياح التغيير الجيدة وبقيت على حالها، لا يمكنها المحافظة على التغييرات، وستبوء كل محاولتها في تطبيق كايزن بالفشل.

3 أما المفهوم الثالث لكايزن (改善)، فهو يصفها كفلسفة، وهي الفلسفة أو العقلية عينها التي بدأت تويوتا بتطويرها منذ أن أسس ساكيشي تويودا شركة تويوتا لحياكة النسيج، ومن ثم تطورت على يدي كيشيرو تويودا – ابن ساكيشي تويودا – الذي حولها إلى شركة تصنيع مركبات، وعيّن مهندس إنتاج النسيج تايشي أونو مديرًا لإنتاج تصنيع السيارات، ليُصبح أونو لاحقًا الوالد المؤسس لنظام إنتاج شركة تويوتا. وفي الخمسينات والستينات، لاحظ أكاديميون وقادة أعمال يابانيون أن شركة تويوتا تعمل بشكل مختلف عن غيرها من شركات تصنيع المركبات، وهي تعطي نتائج أفضل بأشواط. بناء عليه، تشجع الأكاديميون على التعاون مع تويوتا بهدف دراسة ثقافتها وطريقة عملها، التي أصبحت تُعرف في وقت لاحق في اليابان “عقلية كايزن الخاصة بشركة تويوتا” (改善の考え方). وبعد عقدين من الزمن تقريبًا، قام أكادميون غربيون أبرزهم ووماك وجونز بدراسة ثقافة تويوتا وطريقة عملها وأطلقوا على عقلية كايزن الخاصة بشركة تويوتا لقب “اللينة”. وكان لقب “اللينة” أفضل مصطلح يُطلق على كايزن لأنه يشبّه المنظمة بالجسد، فالجسد السليم “ليّن” ويحتوي على القليل من الدهون، أما المنظمة غير السليمة تحتوي على الكثير من الهدر، أو ما يُعرف بمودا (無駄). ومن هنا ظهر مصطلحا “الإدارة اللينة” و”التفكير اللين”. وفي العام 2001، بدأت تويوتا بتوسعها العالمي السريع، وأرادت أن توثّق ثقافتها بطريقة تبقى عالقة بأذهان موظفيها خارج اليابان عند إدارتهم مصانع الإنتاج في دول العالم كافة. فتم نقل ثقافة شركة تويوتا بشكل شفهي وأثناء التدريب الوظيفي من جيل إلى آخر، فانتقلت عقلية كايزن من تايشي أونو إلى آخر جيل يعمل في تويوتا. بناء عليه، أدى ذلك إلى خلق وثيقة لفلسفة إدارية داخلية تدعى “سياسة تويوتا 2001” (トヨタウェイ2001). وتم ذكر العام 2001 في هذه الوثيقة من أجل إيصال رسالة مفادها أن الأفكار المدونة في العام 2001 ليست ثابتة، و يجب أن تتغير وتتطور. هذه العقلية عينها، أي عقلية كايزن التي نسبها اليابانيون إلى تويوتا والتي أطلق عليها الغرب اسم “الإدارة اللينة”، هي ما أسمتها شركة تويوتا “سياسة تويوتا” ( トヨタウェイ). وفي السنوات اللاحقة، تبنت جميع أقسام شركة تويوتا هذه الوثيقة وكيّفت أعمالها وفقًا لها، كما أنها وثّقت سياسة الأعمال المعتمدة بحسب المنطقة التي تعمل بها، كسياسة تويوتا للبحث والتطوير وسياسة تويوتا في مجال المبيعات والتسويق.

تسعى شركة المبادئ الأربعة عبر تبني “سياسة تويوتا” (トヨタウェイ) أو الإدارة اللينة، أن تساعد عملائها على تغيير ثقافة منظماتهم وتحسين العمليات من خلال الكثير من المقاربات العملية التي تلبي احتياجاتهم.